ما قدمته لعبة كرة القدم للجزائريين هذا العام في ظرف وجيز لم تقدمه مختلف التشكيلات السياسية ومختلف الوزارات والبرامج الحكومية على مدار عقود، فقد تمكنت من جمع شمل الجزائريين ليس داخل الوطن فقط وإنما ألحقت بهم جاليتنا خاصة في فرنسا ..
وإذا كان تأهل المنتخب الجزائري للمونديال وما صاحبه من معارك سياسية وإعلامية قد حقق المعادلة التي عجزت كل الاجتهادات من تحقيقها فإن تأهل المنتخب الفرنسي أيضا للمونديال وتعيين لاعبيه المشاركين حقق معادلة أخرى لم يتمكن المعارض المتطرف لوبان برغم نصف قرن قضاها في الأحقاد على الجزائريين من تحقيقها، وهي إقناع كل الجزائريين بأن الجزائري لا يمكنه أن يكون فرنسيا حتى ولو أراد أو كما قال الشيخ عبد الحميد بن باديس منذ ثمانين عاما.. الفرنسيون الذين تنازلوا أو حاولوا التنازل عن نظرتهم الاستعلائية تجاه الجزائريين الذين ولدوا في فرنسا من خلال فتحهم بعض منافذ التألق والجاه والشهرة لأسماء جزائرية ومنها زين الدين زيدان، الذي تقول فرنسا إنها أرضعته المواهب ولكنه الآن صار يحن إلى جذوره من خلال كثرة زياراته لموطن والديه وأجداده صاروا يشعرون بالندم .. كما أن زيدان الذي يحمل ملامح جزائرية واسم جزائري تم تعيينه في سبر آراء للشعب الفرنسي في عدة مناسبات كأهم شخصية شعبية ومحبوبة في فرنسا في بلد يزدحم بالأدباء وبالرياضيين وبالفنانين وبالساسة، وهو ما لم يهضمه الفرنسيون الذين اعتبروا الأداء الإعلامي والرسمي والشعبي مع زيدان بالغلطة الفرنسية التي لا تتكرر، أوكما قال جون ماري لوبان.. "أفضّل أن لا نشارك في كأس العالم وكأس أوربا والتوقف نهائيا عن ممارسة الرياضة على أن تفوز فرنسا بألقاب دولية بأسماء سمراء وزنجية" .. وإذا كان جون ماري لوبان قد تحلى دائما بالصراحة فإن ما أخفاه البقية وحاولوا الظهور بوجه مقنّع ظهر من خلال التشكيل الذي اختاره الناخب الفرنسي الحالي الذي اعترف الفرنسيون بأنه ليس المقرر وحده، وأكد أن "غلطة زيدان" لن تتكرر إطلاقا في فرنسا المعاصرة التي احتلت الجزائريين لمدة قرن وثلث قرن من أجل طمس صورتهم فصارت صورتها هي المطموسة شكلا واسما في كثير من المجالات.. ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد ولأن فوائد قوم عند قوم فوائد فإن ما أقدمت عليه فرنسا في اللعبة الأكثر شعبية في العالم وبالخصوص في فرنسا وفي الجزائر سيعود بالخير على البلدين، وفي أسوإ الأحوال على الجزائريين وحدهم لأن فرنسا ستستعيد وجهها المخفي وراء ظلال زين الدين وكريم وسمير وستستعيد الجزائر وجهها الذي حاولت فرنسا أن تتبنى كل البقع الناصعة فيه وتظهر للعالم أي نقطة شحوب فيه .. وكلنا نعلم أن فرنسا لم تقل أبدا عن زيدان "الجزائري"، ولكنها قالتها عن مشاغبين أحرقوا مارسيليا رغم أنهم ولدوا وتعلموا وتجنسوا بالفرنسية مثل أخيهم زيدان.. وكما قرأنا تشكيل الجزائر المسافر إلى جنوب إفريقيا قراءة اجتماعية وسياسية فإن تشكيل فرنسا المسافر إلى جنوب إفريقيا يمكن قراءته سياسيا واجتماعيا وعرقيا وتاريخيا وحتى عقائديا ولا أحد من المختصين في عالم كرة القدم تمكن لحد الآن من فك ألغازه لأنه أبعد ما يكون عن الرياضة وروحها.. ويمكن من الآن معرفة الخطة التي يلعب بها الفرنسيون في كأس العالم القادمة بعيدا عن أرقام خمسة _ ثلاثة _ إثنين أو غيرها فهي بالمباشر المفيد خطة من دون كريم ولا سمير وهي الخطة الصالحة لكل زمان فرنسي مستقبلي ومكان.
فرنسا منحت زيدان إمكانيات التألق ولكنه صار سفيرا لثقافتها وروحها وحضارتها باسم وروح جزائرية، فقررت أن لا تكرر ما صار يسمى بغلطة زيدان .. والجزائر سمحت لزيدان أن يعلّي شأن فرنسا ويمنحها التتويجات التي رفعت العلم الذي مات مليون ونصف مليون جزائري من أجل أن لا يعلو في سمائنا .. فمتى نقرر أن لا نكرر ما يجب أن نسميه نحن أيضا بغلطة زيدان؟