الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ،
و بعد ،
فإنه لا يخفى على أحد مدى انتشار الكثير من الأحاديث الموضوعة والضعيفة بين أفراد المجتمع المسلم ، ولجهل الكثيرين بهذا الأمر وخطورته لاقت هذه الأحاديث قبولا واستحسانا عند أفراد المجتمع المسلم ، وأصبح الكثير منا يعمل ساعيا لنشرها عن طريق المنتديات الحوارية والرسائل البريدية و الجوالات، ظانا منه أنه يخدم الإسلام و أنه يحسن صنعا، و هو عويل هدم لهذا الدين، و سلاح في يد الضلال المارقين. متجاهلا أو غافلا عن الأحاديث الصحيحة الثابتة عن الرسول .
ونظرا لخطورة هذا الأمر ، ومنطلقا من الحديث المتواتر ( "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار")أخرجه البخاري ومسلم، نذكر أنفسنا و إخواننا بضرورة التثبت في نقل الأحاديث، و ضرورة تمحيصها قبل نشرها و نقلها و تداولها،
و ننبه لخطر ترويج الأحاديث الضعيفه في المنتديات إلا على سبيل تبيان ضعفها و التحذير من روايتها.
لقد شدد العلماء رحمهم الله في خطر رواية الأحاديث الضعيفة فضلا عن المكذوبة و الموضوعة و نسبتها إلى رسول الله .
فذكر الإمام مسلم في مقدمة صحيحه ما فيــه تحذيـر من الضعيف: " باب النهي عن الحـديث بكــل ما سمع" مستدلاً بقوله :
" كفى بالمرء كذباً أن يُحدِّثَ بكلِ ما سمع" رواه مسلم
وذكر الإمام النووي في شرحه لمسلم :
" باب النهي عن الرواية عن الضعفاء" مستدلاً بقوله :
" سيكـــون في آخـــر الــزمـان ناسٌ من أمتي يُحدثـــونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم ، فإياكم وإياهم" رواه مسلم.
و قال ابن حبـان في صحيحه : " فصل ذكـر إيجاب دخــول النــار لمن نسب شيئـاً إلى المصطفى وهو غير عالم بصحته " ثم ساق بسنده قوله :
"من قال علّيَّ ما لم أقل ، فلْيتبوَّأ مقعده من النار" حسن رواه أحمد، و قال الشيخ ابن باز متفق على صحته،
و تمامه الحديث : "إياكم وكثرة الحديث عني، من قال علي فلا يقولن إلا حقا أو صدقا ، فمن قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار" . حسنه الألباني في الصحيحة برقم 1753
فتأمل جيدا هذا الحديث :
ففيه نهى النبي الكريم عن كثرة الحديث عنه صلى الله عليه و سلم، لأنه مظنة الوقوع في الخطأ، و كما جاء في الأثر، من كثر كلامه كثر خطأه،
و فيه النهي عن نقل الحديث إلا بعد التأكد من أنه حق، ومن نسبته للنبي عليه السلام
و فيه أيضا عقوبة من قال على النبي ما لم يقله،
فأنظر يا رعاك الله خطر التقول على النبي صلى الله عليه و سلم بمجرد الظن و دون التثبت من نسبة الحديث إليه عليه السلام، و النبي عليه السلام
وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلّم من الأحاديث الموضوعة فقال :
" مَن كذبَ علَيَّ متعمداً ، فلْيتبوَّأ مقعده من النار" متفق عليه
قال النووي في شرح مسلم: إن تعمد وضع الحديث حرام بإجماع المسلمين الذين يعتد بهم في الإجماع. اهـ
قال المناوي في فيض القدير: هذا وعيد شديد يفيد أن الكذب عليه من أكبر الكبائر بل عده بعضهم من الكفر،
قال الذهبي: وتعمد الكذب عليه من أكبر الكبائر ، بل عده بعضهم من الكفر، وتعمد الكذب على الله ورسوله في تحريم حلال أو عكسه كفر محض. اهـ
وحكى الحافظ ابن حجر عن الإمام الجويني تكفير الكاذب على النبي ، وهو قول مرجوح لعدم وجود دليل على كفر الكاذب.
قال الإمام أحمد: يفسق وترد شهادته وروايته ولو تاب وحسنت حالته تغليظاً عليه وغالب الكذابين على النبي زنادقة.
- وقال صلى الله عليه وسلم "إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه مسلم عن المغيرة بن شعبة وهو حديث متواتر جاء عن أكثر من ستين صحابيا،
قتأمل و احذر كي لا تكون من هؤلاء،
و لقد ضرب الصحابة رضوان الله عليهم أروع الأمثلة في الورع و الإحتياط في رواية الحديث مخافة الكذب على رسول الله، و هي كثيرة نذكر منها :
- ما جاء عن عبد الله بن الزبير قال قلت للزبير ما يمنعك أن تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث عنه أصحابه فقال أما والله لقد كان لي منه وجه ومنزلة ولكني سمعته يقول من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار . صحيح أبي داود 3102
- عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال قلت للزبير بن العوام ما لي لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أسمع ابن مسعود وفلانا وفلانا قال أما إني لم أفارقه منذ أسلمت ولكني سمعت منه كلمة يقول من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. صحيح ابن ماجة 34
فتأمل كيف أن الصحابة بحسن قصدهم و نيتهم الحسنة، كانو ملازمين للنبي عليه السلام، و لم يمنعهم من التحديث عنه إلا مخافة الكذب عنه، و هم أعلم بوزر من كذب عليه،
و أيضا
- عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قلنا لزيد بن أرقم حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كبرنا ونسينا والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد. صحيح ابن ماجة 23
فالصحابي الجليل زيد بن أرقم عنه أحس بالكبر و ضعف الذاكرة، فاختار أن لا يحدث إلا بما وثق منه مخافة الكذب على جناب النبي و استحقاق عقوبة الكذب عليه صلى الله عليه و سلم،
و من القصص المشهورة المعروفة من حرص الصحابة و تثبتهم في رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، ما ثبت في الصحيح : عن أبي سعيد الخدري قال كنت جالسا في مجلس من مجالس الأنصار فجاء أبو موسى فزعا فقلنا له ما أفزعك قال أمرني عمر أن آتيه فأتيته فاستأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت فقال ما منعك أن تأتيني قلت قد جئت فاستأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع قال لتأتين على هذا بالبينة فقال أبو سعيد لا يقوم معك إلا أصغر القوم قال فقام أبو سعيد معه فشهد له . أخرجه البخاري 6245 ومسلم 178/6 ، صحيح الجامع 318
فالحذر الحذر من النقل من غير تثبت...
قد يقول قائل و لكن نيتنا حسنة و ما أردنا إلا الخير ...
نقول كما قال ابن مسعود للمسبحين في الحلق في حديث سنن الدارمي المعروف، و كمن من مريد للخير لن يدركه.
فلا يعذر أحد بنيته الحسنة و حبه للخير مع تقصيره في البحث و التنقيح، فإن الصحابة رضوان الله عليهم أعبد الناس لله بعد نبيهم و أخلصهم لله في ذلك، و لم يكن ليغني عنهم صلاح نيتهم من الله شيئا، و لم يكن ذلك ليثنيهم عن التثبت و الورع في نقل الخبر، فالكذب على النبي ليس كالكذب عن من سواه.
و الوسائل لها أحكام المقاصد و النية الصالحة لا تصلح العمل الفاسد، و إن الله لا يقبل عملا حتى يكون خالصا صوابا.
و قد يقول آخر، علمنا قليل و بضاعة في الحديث مزجاة، و لا قدرة لنا على تمحيص الأحاديث و تنقيحها،
نقول كلنا ذلك رجل، و قليل من وفقه الله لضبط هذا الفن،
و لكن الحمد لله أن سخر لنا كتب أهل العلم و الحاسوب و الأنترنت و محركات البحث و برامج للتخريج، فاحرص أخي أن لا تنقل إلا عن المواقع السليمة المعروفة بتنقية الحديث،
و إن رأيت حديثا منسوبا للنبي فاحرص على البحث عن تخريجة و حكم أهل الحديث عليه باستخدام برامج للتخريج كبرنامج الكتب التسعة، أو محركات البحث في بعض المواقع الآمنة :
ومن هذه المواقع موقع الدرر السنية
http://www.dorar.net/mhadith.asp كذلك هذا موقع الشبكة الإسلامية ، وفيه العديد من كتب السنة ودراسات حول السنة
http://islamweb.net/pls/iweb/misc1....72&vName=الحديث كذلك موقع الإسلام فيه عدد من كتب السنة والفقه والفتاوى وغيرها
http://www.al-islam.com/arb/ و مواقع للتخريج من كتب الألباني رحمه الله كموقع:
http://arabic.islamicweb.com/books/albani.aspفاحرص على الإستفادة منها، جزا الله القائمين عليها خير الجزاء...
و اعلم أخي أن العبرة ليست بكثرة المشاركات، و طولها، و لكن العبرة بمدى صحة ما فيها و موافقتها للمنهج السلفي، و من كثر كلامه كثر خطأه.
و أخيرا فلتنعاون وفقني الله و إياكم للحد من ظاهرة انتشار الأحاديث الضعيفة و الموضوعة، ولعل من أفضل الطرق للحـدّ من هذه الظاهرة :
1 – توعية الناس بخطورة الأمر على الدين و العقيدة.
2 – تحسيس الناس بعقوبة نشر الأحاديث المكذوبة و الضعيفة .
3 – نشر الأحاديث الصحيحة التي تُغني عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة .
4– نشر العلم عموماً ، والحرص على تعليم الناس ، فبضدّها تتبيّن الأشياء .