بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
قامت الوحدة بين أفراد
المجتمع الإسلامي استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى وامتثالا لما دعت أليه
الآيات القرآنية : (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا
رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون:52) ،وتأصلت هذه الوحدة التي تعتبر طابع
المجتمع الإسلامي ، فالقرآن الكريم يأمر بأن يكون طابع هذه العلاقة بين
هؤلاء الأفراد جميعا (الإحسان ) وليس الإحسان هو العطاء فقط وليس هو
المعاملة الحسنة فقط و إنما الإحسان المقصود في هذه الآية يشمل العلاقات
المثالية التي يجب أن تكون بين أفراد الجمع الواحد فالإحسان إلى الوالدين
إنما يكون باحترامهما وتوقيرهما والسهر على مصالحهما قال تعالى:
(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَاناً )(النساء: من الآية36)، ولو تتبعنا الآيات القرآنية في هذا
المجال لوجدناها تعطي حقوقاً للجار بحيث تصل به إلى درجة تجعل منه وكأنه
فرد من العائلة ومن أهم ما دعى إليه القرآن الكريم في التضامن الإجتماعي
وسبق به كل الدعوات الإصلاحية للمجتمع حتى الآن ولن تصل أي دعوى أليه هو
التواصي بالحق والصبر والمرحمة .
قال تعالى: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) (البلد:17) .
قال تعالى:
(وَالْعَصْرِ.إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍإِ.لَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ) (العصر).
والتواصي أرفع صور
التضامن الاجتماعي إذ يوصي المسلمون بعضهم بعضاً بضرورة الإلتزام بما تأمر
به الآيات الشريفة، فلا خوف على المسلم من النسيان والانحراف ،وبالتواصي
يتأكد التضامن فيصبح أفراد المجتمع جميعاً متضامنين في التنفيذ .وقد وضع
التشريع للأيتام والمساكين والمحتاجين صوراً عديدة للمرحمة وللتكفل
والرعاية والمحافظة الكاملة قال تعالى: ( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا
تَقْهَرْ) (الضحى:9).
وقال تعالى: ( قُلْ
مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ )(البقرة: من الآية215).
والأسرة هي اللبنة
الأولى لتكوين الجتمع لذا نرى القرآن وجه اهتمامه إلى هذا الجزء الحيوي في
المجتمع وراح ينضم حياتها شيئا فشيئا فأول تنظيم لها هو إلزام الفرد
بالتعايش في أسرة موحدة يسودها الود والإحرام والتعاون ، وألزم الآباء
والأمهات العناية بالأطفال كما ألزم هؤلاء الأطفال احترام الوالدين و
طاعتهما والعناية بهما. قال تعالى: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ
الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا
تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)(الإسراء: من الآية23).
ولما كانت المرأة جزءا
أساسياً في تكوين الأسرة فقد وجه القرآن الكريم اهتمامه نحو المرأة منذ
طفولتها ومنحها حق الحياة فبدأ بتحريم وأدها قال تعالى: (وَإِذَا
الْمَؤُودَةُ سُئِلَتْ.بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (التكوير:8_9) ، فقضى على
أكبر جريمة ترتكب ضد المرأة ، ثم أمرها بالتعفف وحمى شرفها من القذف و
الاتهام قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ
الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور:23) ، .
وقل تعالى: ( وَلا
تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً
)(النور: من الآية33) ، ثم جعل القرآن الكريم الزواج حصنا للمرأة من كل
زلة وجعل لها الرأي والاختيار قال تعالى: ( إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ
أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ )(المائدة: من الآية5) ،
وتوالت الآيات القرآنية تمجد دور الأم قال تعالى : (وَوَصَّيْنَا
الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كرْهاً
وَوَضَعَتْهُ كرْهاً )(الاحقاف: من الآية15) .
وظل القرآن يتابع
المرأة مرحلة بعد مرحلة فمنعها من إظهار زينتها إلا لزوجها وضرب عليها
ستراً من الحجاب لقدسيتها فمنع الدخول عليها في أوقات خاصة فهي سيدة بيتها
ولا يدخل عليها إلا باستئذان قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ
يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ
الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ
صَلاةِ الْعِشَاءِ)(النور: من الآية58) .وليس المهر كما يعتقد بعض خصوم
الإسلام ثمنا للمرأة إذ يجعلها كالسلعة تشترى بالثمن ولكن في الحقيقة رمز
يحفظ للمرأة كرامتها ويشير إلى حاجت الرجل إليها ،والمرأة في غير الإسلام
تدفع لزوجها مبلغ من المال وهذا نوع من العطاء تبذله المرأة لكي تتزوج
فكأنها تشتري زوجها ، فأي تكريم للمرأة وهي تبدأ حيات مشتركة مع رجل هي
وهو فيها على قدم المساواة ؟ بينما دفع الرجل لزوجته مهراً إنما هو إعلان
منه بحاجته إلى زوجته وهو ما يحققه الإسلام للمرأة إذ يحتفظ بكرامتها
وكبريائها لاسيما في أدق واخطر ما تتعرض له المرأة في حياتها ألا وهو
الزواج . والقرآن حينما أباح الطلاق وتعدد الزوجات لم يهدف إلى إسعاد
الرجل على حساب المرأة كما يحلو لبعض خصوم الإسلام القول به ولكن هدف إلى
المحافظة على المجتمع الإسلامي بعضوية الرجل والمرأة .
فقد عالج أمر الزواج
الفاشل علاج يحفظ كرامة الزوجين وييسر لهما طريق الحياة إما معا أو يبدأ
كل منهما حياة زوجية جديدة لعل فيه العوض عما فقدا فليس الطلاق بسبب
كراهية لا دخل للمرأة فيها إذ يقول الله سبحانه وتعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً
وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)(النساء: من الآية19).
بل حتى المرأة إذا لم
تطع زوجها أو انحرفت او تمردت فان الإسلام قرر علاجها بعيد عن الطلاق قال
تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ
فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً
كَبِيراً)(النساء: من الآية34).
وإذا تعذرت الحياة
الزوجية بين الزوج وزوجته بسبب الخلاف الشديد بينهما بحيث تفرقا واصبح كل
منهما شقاً لوحده ويصعب عليهما بذلك أن يلتقيا كان يكون أحدهما عقيماً
والثاني ولوداً او مريضاً بمرض يمنعه من القيام بوظيفته و لآخر سليماً
طالب القرآن بان يجتمع نفر من أهل الزوج ونفر من أهل الزوجة ويستعرضا
المشكلة فقد يستطاع إصلاح ذات البين قال تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ
بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا
إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ
كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (النساء:35) .وإذا تعذر ذلك وكان لابد من الطلاق
لأسباب أشد من هذه فان القرآن الكريم محافظة على الزوجية إلى أقصى حد ممكن
جعل الطلاق ثلاث مرات يجوز في المرتين الأوليين منهما الرجوع عنه كما قال
تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ
بِإِحْسَانٍ )(البقرة: من الآية229).وجعل عدة الطلاق ثلاثة اشهر لغير
الحامل وطيلة فترة الحمل إن كانت حاملا إلى أن تضع ، وذلك إفساحاً للوقت
لعل الزوج يراجع نفسه في هذه المدة . وبهذا فان الإسلام يهيئ من الأسباب
ما يجعل الطلاق أمرا صعبا ووقت التروي فيه طويلا .
أما تعدد الزوجات فان
كان الإسلام قد أباحهُ بقوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا
فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى
وَثُلاثَ وَرُبَاعَ )(النساء: من الآية3). فقد وضع له من القيود ما يجعل
أمر التعدد متعذراً إذ تقول نفس الآية: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا
تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً)(النساء: من الآية3).
فهل يمكن للإنسان أن
يعدل لاسيما وان الآية هنا عامة ولن تحدد جهة العدل ثم تقرر الآيات فشل
الإنسان في تحقيق العدالة بين الزوجات يقول تعالى: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا
أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا
كُلَّ الْمَيْلِ )(النساء: من الآية129).
ويبقى القرآن بحراً
زاخراً بالاسرار الربانية ومعاني الروحية العميقة والعلوم الدقيقة ولا
يمكن ادراك كنه أسراره إلا من خصه الله تعالى بالعلم اللدني عناية منه
سبحانه وتعالى . أرجو من الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم ومن جميع من يسعى
الى الخير.