إنّ مولانا وسيّدنا محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب صلّى الله عليه وآله وسلّم المؤيّد بالوحي، وهو خليل الرّحمن، وهو مَن أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثمّ عُرِج به إلى السّماوات العُلَى، وهو صلّى الله عليه وسلّم سيِّد ولد آدم، بل هو أفضل الخلق عليه الصّلاة والسّلام، ومع ذلك كان:
سيّد الخلق يُمازِح أصحابه، وينام معهم:
كان الأنصار رضي الله عنهم يتمازحون ويتضاحكون، ويحكى لنا أُسَيد بن حضير ما حدث بين النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ورجل منهم: يقول أسيد: ''بينما رجل من الأنصار يحدث القوم وكان فيه مزاح بيننا يضحكهم فطعنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في خاصرته بعود فقال: أصبرني، فقال: أصطبر، قال: إن عليك قميصًا وليس علي قميص فرفع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن قميصه فاحتضنه وجعل الرجل يقبل كشحه، قال: إنّما أردت هذا يا رسول الله''.
نبي الله يُسابِق أصحابه رضي الله عنهم:
روى البخاري عن أنس قال: كانت ناقة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم تُسمّى العضباء وكانت لا تسبق، فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فاشتدّ ذلك على المسلمين، وقالوا: سُبِقَت العضباء، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''إن حقًا على الله أن لا يرفع شيئًا من الدنيا إلاّ وضعه''.
سيّد ولد آدم يُدخل السرور على أهله، فيُسابِق زوجته:
قالت عائشة رضي الله عنها: خرجتُ مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنا خفيفة اللحم فنزلنا منزلاً، فقال لأصحابه: تقدّموا، ثمّ قال لي: تعالي حتّى أسابقك، فسابقني فسبقته، ثمّ خرجت معه في سفر آخر، وقد حملت اللحم، فنزلنا منزلاً، فقال لأصحابه: تقدّموا، ثمّ قال لي: تعالي أسابقك، فسابقني فسبقني، فضرب بيده كتفي وقال: هذه بتلك'' رواه أحمد وأبو داود والنسائي في الكبرى وغيرهم، وهو حديث صحيح.
سيّد الخلق يُجيب الدعوة ولو كانت على يسير الطعام:
روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ له، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَلأُصَلِّ لَكُمْ. قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاء، فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّه صلّى الله عليه وسلّم وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ''.
يُجيب الدعوة ولو كانت من رجل فقير:
ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن خيّاطًا دعَا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لطعام صنعه. قال أنس: فذهبتُ مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى ذلك الطعام، فقرّب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خُبزًا ومرقًا فيه دباء وقديد، فرأيتُ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتتبع الدباء من حوالي القصعة.
بل يُجيب الدعوة ولو كانت من يهودي أو يهودية:
روى الشيخان عن أنس أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشاة مسمومة فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسألها عن ذلك، فقالت: أردتُ لأقتلك. قال: ما كان الله ليسلِّطك على ذاك''.
وقال مُؤكِّدا على هذا المعنى: ''لو دُعيتُ إلى ذراع أو كراع لأجبتُ، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقَبِلْتُ'' رواه البخاري.
يجيء الغريب فلا يدري أيّهم نبيّ الله حتّى يسأل:
عن أبي ذر وأبي هريرة قالاَ: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يجلس بين ظهري أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتّى يسأل، فطلبنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن نجعل له مجلسًا يَعرفه الغريب إذا أتاه. قال: فبنينا له دُكانًا من طين فجلس عليه، وكُنّا نجلس بجنبتيه'' رواه أبو داود والنسائي.