ثمة اسطورة تعود الى خمسينيات القرن الماضي مفادها ان انغام الجزائر الشهيرة التي لحنها وادها الراحل على معاشي جاءت ردا على بسيط الريح التي لا تقل شهرتها عنها للمطرب فريد الاطرش
في بساط الريح يقود المطرب المصري الباني الاصل مستمعيه في رحلة من الاحلام و الرمانسية عبر العالم العربي وهكدا سيحلق البساط الطائر في اجواء لبنان وسوريا وبغداد وتونس ثم مراكش قبل ان يختم سفره السحري في بلاد النيل في جو من البهجة العارمة
وما يجدر الاحتفاظ به من الصور لتلك الرجلة يتعلق بدون ريب بالخارطة التي وضع على اساسها وضع الفنان المشرقي في خطة رحلته لانه تناسى مناطق من العالم العربي لحاجة في نفس يعقوب وكانها غير دات الشان مثل الجزيرة العربية وليبيا واليمن بالرغم ان هدا الاخير موطن بلقيس الاسطورية وسد مارب الدائع الصيت وبدون شك فان الجزائر الفرنسية كانت في قائمة البلدان التي لم يكن متاحا لبساط الريح ان يهبط فيها مخافة ان تستقبله السلطات الاستعمارية بابشع استقبال
تقول الاغنية
بساط الريح يا بو الجنحين--- مراكش فين وتونس فين.
انا لحبيب هناك اثنين---- وبعدهم عني اليوم شهرين.
ويتجنب بساط الريح هنا أي دكر للجزائر...
وربماكان مؤلف الاغنية كامل الشناوي متاثرا بانطباعات مشرقين قلائل اتيجت لهم فرصة زيارة الجزائر الفرنسية
ومنهم امير الشعراء احمد شوقي الذي كتب عقب اقامته بالجزائر العاصمة بضعة ايام يقول ان اللغة الفرنسية انتشرت في الجزائر الى درجة ان ماسحي الاحدية يخاطبونك بها وبهده الانطباعات يكون شاعر البلاط الخدوي قد اعطى ثقلا لللمزاعم الاستعمارية عن الجزائر الفرنسية لقد كانت الجزائر العاصمة كواجهة للنظام الاستعماري تخدع زائريها ولو تجشم امير الشعراء مشقة الذهاب الى عمق البلاد لربما تجنب كتابة دلك الحكم المتسرع.
و في الواقع فان الجزائر كملكية فرنسية اصبحت امرا واقعا مند اللحظة التي تخلى فيها الباب العالي عنها بعد ان منع حاكم مصر محمد علي من الاسراع الى مناصرة الجزائر بعد هزيمة جيش الايالة امام الغزاة وكان دلك
اول تطبيق فعلي للسياسة المعروفة بسياسية اقتسام ممتلكات رجل اروبا المريض أي الامبراطورية العثمانية المتهالكة
الوضع الاستعماري الذي فرض على الجزائر جعل منها بالفعل جزاء من فرنسا وبالطبع ضمن الحدود التي لا تعطى للاهالي الانديجان ايا من الحقوق التي يتمتع بها مواطنوهم المتروبواتيان وهكدا تاقلم الجميع مع هدا الوضع خاصة بعد مرور القرن الاول على الغزو وبعد القضاء على ثورات الاهالي وما تبع من تهدئة على الصعيد العسكري ومن تطبيع على الصعيدين السياسي والثقافي وهنا تاتي انغام الجزائر وما سبقها من ارهصات الحركة الوطنية والاصلاحية لتبطل دلك الزعم السخيف وتعيد عقارب الساعة الى حركتها الاصلية تقول اغنية الشهيد علي معاشي في لا زمتها
يا ناس اما هو حبي الاكبر--- يا ناس لما هو عزي الاكبر
لو تسألوني نفرح ونبشر---- ونقول بلادي الجزائر
وبعد هدا الاستهلال الرائع الدي يتالق فيها الملحون الشعبي يقوم الفنان بجولة طويلة عبر مناطق الوطن السليب
مستاهما من كل منطقة فنها الغنائي وطبعها الخاص بها ليتغنى بروعتها وبجمالها ومن هنا جاء عنوان الاغنية
انغام الجزائر
في بداية الاستقلال لنمت المطربة نورة المشهورة بصوتها الدافئ وبظفيرتها الطويلة المتديلة خلفها الى علي معاشي وتاقسمت معه اداء انغام الجزائر وبالطبع كتن بعد وفاته شهيدا من شهدا الثورة بعدة سنوات وبعد سنوات
ادى رابح درياسة اغنية على نفس المنوال هي وردة بيضاء في العلالي يتوجه بالسؤال الى فتاة شابة عن موطنها وعن اهلها ولكن لا ترد عليه مما يضطره الى التخمين وبالتالي ذكر كل منطقة مناطق البلاد والتغني بجمالها وبخصالها مستعملا الطابع الغنائي الخاص بها تماما كما فعل علي معاشي في انغام الجزائر لكن المقارنة تقف عند هدا الحد لان اغنية درياسة جاءت في شكل خفيف وعراسي ومبتدل الى حد ما
ندكرنا انغام الجزائر من حيث المحتوى بشعر الانتجاع شعر الرحلات الموسيمية بين اطراف الصحراء والتل والساحل كما يتجلى دلك في حزية للشاعر بن قيطون حيث ياتي على المضارب التي اقامو فيها في انتجاعهم والمناطق التي مروا بها هربا من حلا الصيف وربما يجدر التنويه بالاداء الطيب الذي نجح فيه الراحل عبد الحميد عبابسة وهو يعرف بحيزية في خمسينيات القرن الماضي مما لا يستبعد انه كان ذا اثر على علي معاشي
في انغام الجزائر وحتى درياسة نفسه لم يستطع ان يقاوم اغراء حيزية فنافس عبد الحميد عبابسة في ادائها محاولا اعادنها الى طابعها الاصلي حيث اقتصر في ادائها على القصبة والبندير عكس الطابع العصري الذي صبها فيه عبابسة و اكد درياسة بهدا مرة اخرى انه مطرب الاغاني الخفيفة والعراسي .
لقد سقط علي معاشي في سنة 1927 وعاش في تيارت وفي 1949 تم تجنيده في الخدمة الوطنية وشاء له الحظ ان يعمل في قاعدة بنزرت البحرية الفرنسية في تونس مما جعله يلتقي بالفنان التونسي قدور سرافي الذي اخد عنه مبادئ الغناء و التلحين وفي مدينته تيارت لخد يتردد على الجمعية الاندلسية الت نشات في سياق الحركة الوطنية ثم انظم الى الكشافة الاسلامية الجزائرية قبل ان ينشئ في سنة 1953 فرقة سفير الطرب التي ادارها وقد درجت فرقة علي معاشي على التغني بحب الوطن وبمثل التضحية وحب الوطن وشاركت الاحتفالات بالدكرى 12 للبيان الجزائري بحضور فرحات عباس وقد عمل علي معاشي بعد دلك في الاداعة كتقني وهناك سجل انغام الجزائر لكنه لم يتخل عن فرقته ولدى انطلاق شرارة الثورة التحرير علق اعضاء الفرقة الاتهم الموسيقة مستبدلين اياهم بالسلاح وبالرغم من ميله الواضح الى الطابع الشرقي فقد نجح علي معاشي في الاحتفاظ بالطابع المحلي لاغنيه وخاصة الطابع الوهراني الذي يطغى على جل اغانيه البالغ ععدها 16 اغنية التي من بينها يا بابور وطريق وهران و النجمة والهلال ومازال عليك نخمم....
وقد القي القبض على علي معاشي وتعرض للتعذيب على يد القوات الاستعمارية ثم اعدم في الثامن من جوان 1958 رفقة زميلين له هما محمد جهلان وجيلالي بن سترا في مدخل المدين غير بعيد من الحي الذي شهداولادته وطفولته وقد عمد الجلادون الى تعليق جثث الشهداء الثلاثة من ارجلها في ساحة كارنو المعروفة الان بساحة الشهداء
تقول احدى اغاني علي معاشي الجميلة
يا قلبي لا تقول محال ---- لا تضيق على الاحوال
حياتنا تسعد وتزيان----- لا تقول محال