لاشك أن الكلام هو من أفضل نعم الله على البشر وهو من أهم وسائل التواصل بالآخر وهو يتدعي كونه عدة توافقات عصبية دقيقة مركبة، يشترك في أدائها مركز الكلام في المخ والأعصاب المحركة للعضلات التي تقوم بإخراج الصوت إلى اعتباره نشاط إنساني اجتماعي نفسي عقلي يصدر عن الفرد بقصد الاتصال بالآخر في تفاعلات اجتماعية رائعة ومعقدة تتمظهر في أشكال عدة .
ويضطرب الكلام عندما يضطرب النطق ، تتضح عيوب في إخراج الأحرف أو سهولة التكلم أو وضوحه أو تعثره أو تأخره ، وقبل الخوض في أسباب الاضطراب النطقي لدى الأطفال نتتبع روعة بداية اللغة لدى الطفل في معلومات مبسطة تفيد الأمهات والأباء .
المرحلة الأولى في الكلام تبدأ بصرخة الميلاد ، ففي لحظة الولادة مباشرة يستقل الجهاز العصبي للطفل في آلية عمله عن الجهاز العصبي للأم ويعطي المخ رسالته الأولى في الطفل إلى الرئتين والفم والأنف ليحدث التفاعل مع اندفاع الهواء السريع إلى الرئتين في عملية الشهيق الأولى في حياة الوليد ، هذه الجرعة الأولى من الهواء تبقى مع الإنسان حتى مماته تحت الحجاب الحاجز لتفارقه لحظة فراق الحياة وتكون هي آخر هواء يخرج من الإنسان عند مماته .
وفي الشهور الأولى للطفل وبعد أن يشعر الرضيع بالسرور والارتياح بعد كل رضعة وخاصة عندما تكون رضعة حنونة من أم حنون " أهمية الرضاعة الطبيعية ليست في حليب الأم فقط ولكن الأهم "قريطيعات الحنان " المصاحبة للرضاعة وهاته القريطيعات يفتقدها الطفل في الرضاعة الصناعية " وهو ما يعني أن الطفل الذي يرضع من أمه رضاعة طبيعية + قرطوع حنان كافي سيتكلم قبل الطفل الذي يرضع من الرضاعة الصناعية " لنا عودة في موضوع قادم عن أهمية الرضاعة الطبيعية " .
إذن بعد الشعور والارتياح والسرور يفتح الطفل فمه فتخرج منه أصوات تسمى بمرحلة المناغاة " الرضيع يناغي (آغ آغ آغ) .. ونتيجة دخول الهواء إلى تجويف الفم دون أي عائق يبدأ الطفل في نطق الحروف الحلقية المتحركة ( آ آ) تم تظهر حروف الشفة ( م أ ، ب ب ) ثم بعد ذلك يجمع بين الحروف الحلقية وحروف الشفاه ( ماما ، بابا ) .
وهنا يتطلب الحدث أمر مهماً ألا وهو " الطفل لا يستطيع أن يتكلم حتى يمكن له أن يسمع " لذا على الأم أن تعاود المناغاة مع الطفل أن تناغي له شرط أن يكون ذلك بسرور وحب وأسارير مريحة لأن الطفل ذكي ويستوعب عن الأم أكثر مما تستوعب هي عنه ، فأعطي الطفل وقته ، أرضعيه بحب، أمنحيه قرطوع الحنان بصدق ، ولا تنسي المناغاة معه بكل جد .
وقد يتساءل البعض هل ينطق الطفل ماما أولاً أو بابا أولاً ، إن ذلك يختلف من طفل لآخر ويعتمد على أسلوب الأم في معاملة الطفل ، فإذا كانت الأم على علاقة طيبة بالأب وتذكر دائماً الأب بالتي هي أحسن ، وبأسارير مبتهجة وتلاعب الطفل وتقول له .. ما شاء وليد بابا ، زي بابا … بابا جي ، بابا جاب ، بابا أحبك وأحب ماما .. فإن الطفل سيستقبل بابا أولاً وبالتالي سينطق بابا أولاً ، أما إذا كانت الأم على علاقة فاترة أو مضطربة بزوجها وإذا ذكرته فإنه تذكره دائماً بالسوء أو بعلامات الغضب البادية على وجهها أو أن تهمشه تماماً ، وتبالغ في إطراء إبنها بقولها " ما شاءالله وليد ماما ، يشبه ماما ، يشبه خاله خو ماما ، ماما تحبك … ماما .. فإن الطفل سيتقبل ماما أولاً وبالتالي سينطق باسم ماما أولاً . أما إذا كانت العلاقة متوازنة إيجابية وبها دفء وحوار وحب والأم تردد " الأم /الأب" معاً فإنها سينطق بهما في نفس الوقت أو في وقت متقارب وبالمناغاة هي الطريقة المثلى لتعلم اللغة لأن الطفل يحاكي بها ومن خلالها ما يصل إليه من أحرف أصوات وكلمات.
ومن بعد أن ينطق الطفل ماما/بابا ، تأتي المرحلة السّنية ( د ، ت ) ثم الحروف الأنفية ( ن ) ثم الحروف الحلقية الساكنة ( ك ، ق ، ع ) ، وحتى هذه المرحلة لا يزال الطفل يفتقد معنى الكلمات ثم بعد ذلك ترتبط عنده الحروف والكلمات بمعاني معينة فكلمة ماما تعني الأم وكلمة بابا تعني الأب ولذا فالطفل يبدأ نطقه بالكلمات المفردة وليس بالجمل ، ويستطيع بين السنة والسنة والنصف أن ينطق بالكلمة الأولى وفي السنة الثانية تزداد قدرته إلى حوالي 50 كلمة ليصل في السنة السادسة من العمر إلى حوالي 2500 كلمة بالنسبة للذكر، 3200 كلمة بالنسبة للأنثى، وأهم مفردات الطفل في الفترة الأولى من عمره هي عن الطعام والشراب والرضاعة واللعب والكرة ، ويدرك مفهوم الشيء موجوداً كان أو غير موجوداً فيطلب الماء والشراب سواء كان موجوداً أو غير موجوداً في كلمة " أمبوا "، وكلمة " أمبوا " من أروع الكلمات التي يكتشفها الطفل ، وهي بمثابة أول رسالة حب يبعث بها الطفل إلى أمه ! فماذا تعني وماذا تحمل هذه الرسالة الحميمة من الطفل : تعني الكثير والكثير فهو يتجاوز طلب الشراب إلى أن يقول " بسم الله الرحمن الرحيم " أمي الحبيبة الغالية ، ذات الصدر الحنون الدافئ ، صاحبة قرطوع الحنان المستمر، بعد أشواقي إليك وإلى لمسات يديك وإلى أحضانك الدافئة ، ابنك العزيز يريد قليلاً من الماء ليروي به ضمأه ، ألا تكرمت بذلك ولك جزيل الشكر والحب وكثير التقبيل، والرضى ، ابنك الذي يحبك دوماً ، الإمضاء " الطفل الصغير " بتاريخ ……
وهاته المرحلة تسمى الكلمة الجملة ، فعندما يقول الطفل " وليد " اسم أخيه عبدالعالي فإنه يقصد إبلاغ رسالة احتجاج إلى أمه نعيمة وأبيه مصباح ، فيقول لهما أبوايا العزيزين أخي عبدالعالي أخذ الكرة أخذ لعبتي بالله عليكم ساعدوني في أن استردها منه أو أن ألعب معه .
وتستمر مراحل اللغة لدى الطفل في السنة الثانية تأتي مرحلة الكلمتين وفي نهاية ثلاثة السنوات الأولى تتكون جملة من 5 إلى 6 كلمات ، وفي السنة الرابعة يتشابه نظام الأصوات الكلامية بالذي لدى الكبار ، وفي العمر 5 إلى 6 سنوات تصبح اللغة في مستوى كامل من حيث الشكل والتركيب والتعبير بجمل صحيحة .
أسباب اضطرابات الكلام :
-
أسباب جسمية : " تشوه الأسنان ، اللحمية " الزوائد الأنفية " ، تضخم اللوزتين، اشتقاق الشفة العليا ، ضعف السمع ، عيوب الجهاز الكلامي (الحنك، اللسان، الأسنان ، الشفتان ، الفكان ) .
_ أسباب عصبية : اضطراب الأعصاب المتحكمة في الكلام ، إصابة المراكز الكلامية في المخ بتلف ، ضعف التحكم بالأعصاب في أجهزة النطق ، الضعف العقلي .
_وراثية : بينت الدراسات أن 65% من المصابين ينحدرون من أسرة بها شخص مصاب ( يتورث الطفل الاستعداد لهذه العلة بالإضافة إلى التقليد والمحاكاة).
- إجبار الطفل الأعسر ( الذي يستخدم اليد اليسرى ) على الكتابة باليد اليمنى .
- ضعف التوافق بين سهولة التعبير وسرعة التفكير .
- المفاجأة ومحاولة الكلام المرتجل وخاصة عند الخوف في المواقف الجديدة أمام الناس أو أمام المذياع .
- تعدد اللغات في وقت واحد .
- الاستجابة لحاجات الطفل دون الحاجة إلى الكلام .
- الأسرة قليلة الكلام كثيرة السكوت .
- تدفق الأفكار بسرعة هائلة لا تستطع الأجهزة الصوتية استيعابها بسهولة .
- استعجال الأباء وضغطهم على الأطفال في النطق دون مراعاة للنضج وفق فروقهم الفردية والأكثر من ذلك بعض الأباء يستخدم الترهيب والتخويف والتعليق والمعايرة وبعضهم يستخدم الرشوة للطفل من أجل ذلك .
- التعليق على الطفل من الأهل والأقارب عندما ينطق كلمة واضحة سواء عندما يضحكون معه أو يستهزءون به .
وتتخذ اضطرابات الكلام أشكال عدة منها :
- التأتأة : وهو اضطراب في سيولة الكلام بشكل يلفت النظر ، مما يعيق التحدث مع الآخرين والتواصل معهم ، والمتأتي يكرر حرفاً أو مقطعاً أو كلمة ويأخذ بمد الحرف مداً طويلاً بشكل لا إرادي مما يسبب له الحرج والخجل والارتباك مصحوبة باضطراب في التنفس ، بحركات غريبة في اللسان والفك، تحركات في الجذع والأطراف وتعبيرات غير عادية في الوجه ، مما يجعل المتأتئين أقل رغبة في الكلام ، خجولين ، منعزلين ، شديدي الحساسية ، وهي لدى الذكور أكثر منها لدى الإناث .
- اللجلجة : وهي احتباس الكلمات ، حيث تنفجر الكلمة بين شفتي الطفل مضطربة بعد مخاض عسير ومعاناة شديدة تتمثل في حركات ارتعاشية متكررة ( تحريك الكتفين، واليدين الضغط بالقدمين على الأرض، ارتعاش رموش وجفون العين، إخراج اللسان من الفم، الميل بالرأس إلى الأمام والخلف إلى الجانب، أو على شكل تشنج موقفي يكون كاحتباس في الكلام يعقبه انفجار وانطلاق بطاقة زائدة .
- اللثغة : وهي استبدال حرف بحرف مشابه مثل س ، بالتاء ( مدرسة، مدرثة، سكر ، سثر ) أو الراء باللام، وبالغين وبالياء ، والقاف بالكاف .
- السرعة الزائدة في الكلام : نتيجة نقص الزمن المستعمل في الكلام عن الزمن المناسب .
الخمخمة : وهي خروج الكلام من الأنف .
- الطمطمة : وهي إبدال الطاء بالتاء .
- الفأفأة : التردد في نطق حرف الفاء .
- التمتمة : التردد في نطق حرف التاء والميم .
- اللعثمة : التردد في نطق الحروف أو تكرار مقاطعها .
- اللفف : إدخال بعض الكلمات في بعضها .
- الترخيم : هو حذف بعض الكلمات لتعذر نطقها .
- الغمغمة : عدم تباين مقاطع الحروف .
- المقمقة : هي التكلم من أقصى الحلق .
- الثرثرة .
- بطء الصوت ، وبطء سرعته .
- بحة الصوت ، غلظته ، شدته .
- نعومة الصوت الزائدة " تدليع الصوت " .
وإذا كانت رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة فإن رحلة العلم لا نقل أنها تبدأ بكلمة ، ولا نقل أنها تبدأ بحرف، ولكن نقل أنها تبدأ بالمناغاة " المشنون في قرطوع حنان ".