[center]
طلعت مثل غيري على الكثير من ردود الفعل الجزائرية والعربية على الخرجة الأولى للمنتخب الجزائري أمام سلوفينيا في كأس العالم، ولم أتفاجأ بها رغم تباينها، ولم تفاجئني رد فعل الجماهير الجزائرية الوفية لمنتخبها، ولا ردود فعل اللاعبين الذين لم يخيبوننا في أدائهم ولم يبكوا حظهم ولم ييأسوا، وخرجوا مرفوعي الرأس، ثم عادوا ليطلوا علينا بكل شجاعة ومسؤولية يعتذرون ويعدون بعدم الاستسلام وبالمزيد من الجهد والعطاء كعادتهم دون مركب نقص أمام انجلترا وأمريكا، وأمام كل العالم مجتمعاً.
ردود فعل الحساد والمنافقين لم تفاجئني أيضا مثلما لم تفاجئ كل النزهاء والشرفاء والأحرار الذين يقفون مع بعضهم بعضا في السراء والضراء، ولم تفاجئ حتى الصحيفة الأمريكية التي تحدثت عن غرابة كرة القدم في العالم العربي وقدرتها على تجميع الشعوب، وفي الوقت ذاته على التفريق بينها عندما أشارت إلى من سيشجعون انجلترا وأمريكا ضد الجزائر بسبب هذا الحقد الدفين والمعلن بيننا.
الجزائريون بكل روح رياضية تقبلوا الخسارة رغم أن فريقهم كان الأفضل وقريبا من تحقيق فوز منطقي، وجاءت انتقاداتهم للمدرب وبعض اللاعبين عادية وطبيعية بعيدة عن الغلو والمبالغة لأنهم يفهمون كرة القدم ويدركون أنها لعبة، وفي اللعبة ربح وخسارة، وبين الربح والخسارة خيط رقيق يجب التعامل معه بلطف.
ورغم ملامح الشماتة والغل والحقد والكراهية التي قرأناها في بعض الصحف وسمعناها من بعض الأفواه، ورغم الانتقادات المسمومة التي صدرت عن البعض الآخر، إلا أن كل هذا لن يؤخر ولن يقدم شيئا، ولن يغير من قناعتنا أن الحقد والنفاق والحسد والغيرة هي خصال الكثير منا، ومن يزرعها يحصدها يوما، ولكن الشيء الغريب أن الأمر يحدث لأول مرة في التاريخ، ولأول مرة نسمع ونقرأ عن عرب يطرحون مسألة التشجيع والمناصرة لمنتخب عربي على الطاولة للمزايدة والمساومة ويعلنوها صراحة أو يخفونها نفاقا، وكأننا لا نعرف بعضنا بعضا، ولا نعرف من منا الصادق و من الكاذب.
الحديث عن مناصرة المنتخب الجزائري من عدمه في المونديال كان ولا يزال محورا للنقاش والجدل والمزايدة لدى البعض، وكأن ذلك يزيد أو ينقص شيئا من المنتخب الجزائري، وكأن الجزائريين سيتأثرون لذلك، أو مناصرتهم في المونديال كانت ستنفعهم أمام سلوفينيا وستزيدهم قوة أمام انجلترا وأمريكا.
الجزائريون مثل الكثير من إخوانهم من العرب الشرفاء يتصرفون كالرجال عندما يفوزون، ومثل الرجال بشهامة عندما يخسرون، ولا يبكون ولا يتحسرون ولا يستسلمون مثلما لم يستسلموا لكل المآسي والأزمات والصعوبات، ويعرفون جيدا من يحبهم ويناصرهم ويحترمهم ويفرح لهم، ويعرفون أيضا بحدسهم وحسهم ومشاعرهم من يخلص لهم القول والفعل، ومن يصدقهم ومن يكذب عليهم.
للأسف الشديد الهدف الذي سجلته علينا سلوفينيا اهتزت له مشاعر وقلوب من لا يعرفون أين تقع سلوفينيا في خريطة العالم، وفرحوا له أكثر مما يفرحون عندما يسجل منتخب بلادهم ويفوز، ومن يقول غير ذلك مع نفسه فهو كاذب، ومن يقول بأنه يناصر الجزائر ويفعل غير ذلك فهو منافق، أما من يقول أنه لا يناصر الجزائر مهما كان السبب فله مني ألف تحية وكل الاحترام والتقدير لأنه صادق مع نفسه ومعنا. وبين هذا وذاك الجزائريون لن يعولوا سوى على أنفسهم، وغدا يوم آخر وموعد آخر ستطلع فيه الشمس وتغيب، ونفوز ونخسر مرة أخرى مثلما تعودنا، ونفرح ونتأسف، ونتعلم من هذه الحياة، وحتى ولو فزنا بكأس العالم سنستمر في نهجنا نحو التألق والعودة إلى الواجهة بكل شموخ ورجولة ودون شماتة في أحد لأنها ليست من شيمنا ولا من خصالنا، وفي حياتنا لم نطرح مسألة مناصرة منتخب عربي في المزاد، ولم نتاجر بها، ولن نفعل ذلك في المستقبل مهما حصل لأن أبناءنا تربوا على الصدق مع النفس ومع الغير، وتعودوا على عدم الاستسلام واليأس.