في هذه الأيام التي تسبق انطلاق منافسات نهائيات كأس العالم جنوب أفريقيا 2010، بدأ حديث الناس يتردد تارة عن البرازيل وتارة عن أسبانيا وتارة أخرى عن هولندا، كما كثر أيضا الكلام عن ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو.
بل إن الكثيرين لم يعد يراودهم أي شك في المنتخبات التي ستتواجه في ربع النهائي، ولا في الفريق الذي سيرفع الكأس في يوم 11 يوليو/ تموز، لكن ربما غاب عن بال هؤلاء احتمال حدوث مفاجأة في جنوب أفريقيا كما كان الحال في جميع النهائيات السابقة لكأس العالم، فمن كان يتصور مثلا أن منتخب أوروجواي سينتصر في المباراة النهائية لمونديال عام 1950 على البرازيليين في عقر دارهم وعلى أرض ملعب ماراكانا الشهير وبمؤازرة عشرات آلاف المشجعين المحليين؟!
ومن كان يتصور في ذلك المونديال نفسه أن يمنى المنتخب الإنجليزي بالهزيمة على يد المنتخب الأمريكي؟ إلا أن ذلك ما حدث بالفعل في مدينة بيلو أوريزونتي، حيث سجل اللاعب الأمريكي جوزيف جاتجنز هدف المباراة الوحيد، ولو أن بعض الصحف من شتى أنحاء العالم نشرت عن طريق الخطأ في اليوم التالي أن نتيجة اللقاء كانت 1-10 لصالح الفريق الإنجليزي. لم تصدق تلك الصحف بسهولة الفوز الأمريكي على الإنجليز، واعتقدت في بادئ الأمر أنه خطأ مطبعي في برقيات وكالات الأنباء، فأرادت تصويبه فوقعت هي في الخطأ، وامتنعت صحف أخرى مثل النيويورك تايمز عن نشر نتيجة المباراة اعتقادا منها أنها مزحة. وتعيّن على الإنجليز الانتظار 16 سنة بالتمام والكمال قبل أن يتوجوا عام 1966 ببطولة العالم التي استضافوها على أرضهم.
ولم تخل تلك البطولة التي جرت في إنجلترا بدورها من بعض المفاجآت، إذ أن كوريا الشمالية تمكنت خلالها وفي أول مشاركة لها في العرس الكروي العالمي من هزيمة إيطاليا وتخطي دور المجموعات. وواجهت كوريا الشمالية في ربع النهائي البرتغال وتمكنت من قهرها خلال معظم وقت الشوط الأول من المباراة، وكانت متقدمة بثلاثة أهداف نظيفة إلى أن صحا المهاجم يوزيبيو وسجل أربعة أهداف لتنتهي المباراة بنتيجة 5 – 3 لصالح البرتغاليين.
بعد ذلك بسنوات، وفي مونديال أسبانيا عام 1982، جاء دور الجزائريين لعمل المفاجأة حينما هزموا جمهورية ألمانيا الاتحادية، حاملة لقب البطولة الأوروبية آنذاك، بنتيجة 2-1 وتحول منتخب الخضر بذلك إلى أول منتخب أفريقي يقهر أحد منتخبات القارة العجوز في نهائيات كأس العالم FIFA. وقبل تلك المباراة قال مدرب ألمانيا يوب ديروال: "سألقي بنفسي في مياه المتوسط، إذا خسرنا هذه المباراة". ومن يدري؟ فربما أوفى بعهده!
نجوم أحدثت المفاجأة
وكانت ألمانيا الغربية أثناء المونديال التالي طرفا في مفاجأة أخرى عندما هُزمت من قبل الأرجنتين في المباراة النهائية بعد أن افتتح باب التتويج للمنتحب الأمريكي الجنوبي لاعب لم يكن معروفا يدعى خوسيه لويس براون سجل في تلك المباراة هدفه الوحيد في 36 مباراة خاضها مع منتخب التانجو.
وفي مونديال عام 1990 كان الدور للمنتخب الإيطالي صاحب الأرض وتمثلت المفاجأة تحديدا في المهاجم سالفاتوري سكيلاتشي الذي بدأ على مقاعد الاحتياط في مباراتين من المباريات الثلاث لدور المجموعات، إلا أنه اعتلى في نهاية البطولة صدارة الهدافين.
أمر مشابه حدث مع اللاعب الأسطوري روجيه ميلا الذي شارك في البطولة نفسها وقد شارف على الأربعين من العمر ولم يبدأ كلاعب أساسي في أي من المباريات التي ارتقى على إثرها المنتخب الكاميروني إلى دور الثمانية، ومع ذلك وجد الوقت الكافي لتسجيل أهداف أحدثت المفاجأة وأرفقها برقصاته الساحرة البديعة عند الزاوية الركنية احتفاء بها.
ومن اللاعبين الذين تألق نجمهم في المونديال التالي بالولايات المتحدة عام 1994 حارس مرمى المنتخب السويدي توماس رافيلي، حيث أنهى المنتخب الاسكاندنافي البطولة آنذاك في المركز الثالث، ويعود الفضل الأكبر في ذلك إلى حارس مرماه الذي كان قد صد ركلتي جزاء أمام المنتخب الروماني.
2002، مونديال المفاجآت الكبرى
أمّا إذا تعيّن علينا تصنيف نهائيات كأس العالم FIFA من حيث حجم المفاجآت التي حدث فيها، فإن مونديال كوريا/اليابان عام 2002 يعد فريدا من نوعه في هذا السياق: فعمالقة الأرجنتين لم يتجاوزوا دور المجموعات، وفرنسا، حاملة اللقب آنذاك، لم تخفق فقط في بلوغ دور الستة عشر وإنما خرجت أيضا من الدور الأول دون أن تسجل أي هدف، رغم أن فريقها كان يضم كبار المهاجمين في الدوريات الإنجليزية والإيطالية والفرنسية (هنري وتريزيجيه وسيسي، على التوالي) .
وفضلا على ذلك، تمكنت كوريا الجنوبية من إقصاء العملاقة إيطاليا قبل أن تفعل نفس الشيء مع أسبانيا في دور الثمانية، ويعود الفضل في الجانب الأكبر من هذا الانجاز الكوري التاريخي لتألق اللاعب آهن يونج هوان، الذي مثل المونديال أيضا بداية الصعود الكبير في مسيرته الكروية. ويعد اللاعب الكوري الجنوبي من أربعة لاعبين في العالم تمكنوا من الفوز بمباراة عبر الهدف الذهبي الذي ألغي العمل به منذ المونديال الآسيوي.
وقد أدى الهدف الذهبي الذي سجله اللاعب الكوري في مرمى المنتخب الإيطالي إلى إلغاء العقد الذي كان يربط اللاعب بنادي بيروجيا الإيطالي، ولو أن الفريق عدل فيما بعد عن قراره، حيث قال آنذاك رئيس النادي الإيطالي لوتشيانو جاوتشي بلهجة لا تخلو من المبالغة: "لا أفكر في دفع راتب لرجل دمّر كرة القدم الإيطالية"، ومع ذلك كان دخول تاريخ مفاجآت نهائيات كأس العالم يستحق عناء المجازفة بعقد عمل مع أحد الأندية!